أيها العابر هاهنا ..إليك

صورتي
ظفار , سلطنة عمان, Oman
لا تغضب عندما يقول لك أحدهم أنت هامشي أو مهمش .. ألا تعلم بـأن الهامش في النص يكون بعيدا عن معمعة الحروف وتزاحمها وعن ضجيجها وتهافتها، منزويا في ركنٍ قصي أسفل الصفحة أو على أحد طرفيها، ومع ذلك لا يُغيبه القاريء بل يمر عليه لأنه مفتاح حبكة لكثير من مبهمات النص أو تذكير لما فات أو مصدر توثيق للمرجع وتحقيق للمعلومة... عش حياتك من منطلق الهامش ..شبه منزوي عن النص ولكن وجودك ضروري..فـ الحياة رغم كِبر حجمها (كالنص مع تعقيداته) إلا أنها بسيطة في فكرتها (كالهامش).. "عشها على ببساطتها وليس على حجمها واتساعها"

السبت، 29 ديسمبر 2012

عندما قطعنا الحشمان ..سردا


عندما قطعنا الحشمان ..سردا

قطعنا "الحشمان" ..حيث حشمة الروح والجسد ..كان للسماء فرجةٌ وحكاية، كأنه السردُ دونما تقطيع، متسلسلاً ورائعاً، بدأت الحكاية عند مقدمنا "إنه الحظ يخدمنا كعادتهِ" من بدايتها، والليل متشوقٌ لسرد حكايته هو الآخر وكأني به غير مُكترث لحكاية السماء فها هو كالمتعجل الذي يتحضرُ لحكايتهِ ومشاهدها وألفاظها.. لكن الرغبة تلبي دعوة السماء فهي التي تقدمت أولا بهدوئها المعتاد لترينا بعضا من ادق تفاصيلها.
إنها صافية حد البهاء والروعة وزُرقتها حاضرة بقوة وبعض النجوم متناثرة، متلألأة هنا وهناك رغم حضور الشمس الذي كان مُتدثراً بالحياء مما منح النجوم تلك اللمعة رغم تناثرها، في تلك اللحظات لم يتمالك الرمل نوازعه في الحديث ولم يكبح جماحه المندفع، متخطيا لهفة الليل الكاتم لرغباته وحديثة والمنتظر لدوره.

كان سرده - الرمل- به من النعومة ما يطري حواسك وما يثقل جسدك كأنك ضعف وزنك ومع ذلك روحي كانت اخف بكثير مما أشعر به من ثقل خطواتي وجسدي، كانت تغادرني الضحكات صخبا في ارجاء المكان وتملأ وجهي ابتسامة كبيرة وهم كذلك رفاقي يعيشون اللحظة ذاتها، تكاد ارواحنا تحلق... ها هي تصعد  لأعلى القمة وتارة تهبط  لأسفل القاع وما يُشعرنا بأننا لازلنا على الأرض هو حفيف الرمل الذي نلامسه طربا وحسا لم نجده الا بلحظتنا تلك، أمواج الرمل تنساب بأعجوبة من عالي المنحدر وتترقق حبيباته الحبة تلو الاخرى وتتزاحم سيلا طافيا غير مزبد نحو القاع، في حين تتسابق الواحدة قبل الأخرى أيهن تهرب مسرعة من تحت قدميك، وعيناي معلقة بأعلى الهضبة تعانق السماء.
صه ..آتية من ناحية القمر ليتوقف الرمل عن سرده فجاءة عندما انتبه للـصه تلك وقد احس بتعجله وتخطيه الدور.. واطال الصمت لعدة دقائق حتى غربت الشمس.
أقبل الليل وكأنه يمشي بعكاز يتوكأ عليه على مهله رويداً رويداً ..الظلمة يطردها ضوء القمر وينعكس ذلك الضوء على صفحة الصحراء محولاً الرملة إلى تبرٍ يتلألأ مسبكوك بخفة وهدوء بقدرة قادر "سبحانه" .. لا صوت على امتداد تلك الربوع إلا صوت انفاسنا المتخالط بأنفاس الصحراء وما تطلقهُ شِفاهنا من همس وإن كان هو بالأصل حديث ذو شجون تتخلله بعض الضحكات، وهج النار يبعث حياة أخرى يصارع البرد ويُغالبه ولكن الغَلبةَ له "أي البرد"، ونحن ملتفون حولها متقابلين نتدفأ ونصطلي بلهيبها، وعلى سفح الرمل المقابل هناك ظلالنا تأكل الرمل وتحُثه وقد تضاعف حجمها كأنها تنانين تنفث النار التي أحيت ليلنا، تمخر الساعات هذا الليل ذهابا دون رجعة كذلك البرد الذي نخر أجسادنا حتى سكنها دون جدوى لجذوة النار.. هنا عاد الرمل ليُكمل الحكاية وما كان قد تعجّل في سرده مسبقا، كان سطحه باردا وفقا للمنطق فالبرد يٌقاطعه في كل روحاتهِ واتجاهاتهِ بينما إن غاصت اقدامنا في بطنه نجدُ الدفء، فحَسيناهُ وحَسَرنا وجهه إلى جوانبه لنصل إلى دفء أحشائهِ لنتمكن من حرارته، لكنه البرد لا يُغلب كعادته هنا في الصحراء وإن غُلبَ حِيناً من الوقت يعود ليتمكن ويسكن الأضلع...

لم تنتهي حكايتي معك ..أنها طويلة مستمدة من عروقك، من أوردتك ومن نبضك الذي لا يحدهُ نبض أو اتجاه، لقد اجتزتُك قاطعا رملك بحذر وتارةً ماشيا وعابرا حاملا لعصاي التي أتوكأ عليها والقمر يناغي مسيرنا مُتسلياً بحديثٍ لا ينتهي معك يا حامد.
ذكرني بما نسيته يا حامد فإن ذاكرتي لا تتسع لكل شيء مررنا به عندما "قطعنا الحشمان"?

 



من رحلة الحشمان 26/12/2012م