أحاديث عن المواطنة والهوية
في الفترة الأخيرة وأثناء مداهمات صحار واعتصامات صلالة وصور وبقية ولايات السلطنة برز على السطح اتجاهين حيث يمثل الاتجاه الأول مواطن ممثل للحكومة يستبسل في الدفاع عن الوطن ويرى أن واجبه يُحتم عليه الدفاع عن الوطن بل ويقر بمشروعية هذا الدفاع بكافة الوسائل والطرق، فكان هناك ضرب وشغب وقتل وجراح لم تندمل (أحداث صحار). وفي الاتجاه الآخر مواطن مُطالب (معتصم) يستبسل أيضا في الدفاع عن الوطن ويرى من حقه الدفاع عنه في محاربة الفساد وتوفير أبسط الحقوق والمشاركة في صنع القرار، فكان هناك نوعا من الثورة والغضب والخروج عن الاعتصام في فترات نزق واستفزاز.
بعدها سقطت أجهزتنا الرسمية (عمدا كان أو خطأً) الإعلامية منها والأمنية في فخ منح الصكوك الوطنية وفقا لأهوائها وأهواء من تتبع من المسؤولين، فمن ركب مسيرات الولاء والعرفان كان مواطنا حيث يقول إعلامنا المبجل خروج جموع من المواطنين في مسيرات ولاء وعرفان ضد المخربين والمفسدين اللامواطنين. وللتأكيد ..لم يكن هناك أحد من المريخ أو من الإمارات ضمنا أو علنا في فيما يدور أعلاه وما دار فعليا على أرض الواقع..كان المواطن هو سيد الموقف رغم تناقضه في المواقف والرؤى بين الموالاة والمعارضة. ولكن ما لبثنا أن تخطت تلك المواقف المتعارضة لحواجز كثيرة أمنية وإعلامية ووصل بنا إلى المحك وهو جانب يمسُنا جميعا ألا وهو المواطنة.
وعندما نتكلم عن المواطنة فأننا نتكلم أولا عن الانتماء لهذا الوطن رغم التنوع والاختلاف الديني والمذهبي والعرقي، ثانيا عن حقوق المواطنة والتمتع بها كافة كالخاصة منها والعامة على السواء من تعليم وصحة ومشاركة سياسية وأمن وتوظيف ..إلخ، ثالثا عن واجبات المواطنة كحماية للممتلكات العامة وتكافل المواطنين ومساهمة في التنمية والدفاع عن الوطن، وأخيرا المشاركة في العمل العام للوطن كالمشاركة الانتحابية (الترشُح والانتخاب) والمساهمة في صنع القرارات السياسية والفاعلية في تدبير المؤسسات الأهلية والعمومية والحكومية بمعني أخر المشاركة في كل ما يهم تدبير ومصير الوطن والمواطن.
أيضا للتوضيح أكثر يُعرف الأستاذ المصطفى صوليح المواطنة فيقول هي إمكانية تدخل المواطن في اقتراح وصياغة القرار، وفي تدبير وتسيير كل من الشأنين المحلي والعام، كما في تقاسم السلطة وتداولها والرقابة عليها، وذلك بمساواة في الحقوق و المسؤوليات مع المواطنين الآخرين.
ووفقا لهذه المواطنة وما ورد أعلاه نجد بأن الأعلام العماني همش المواطنة (حتى أنه بالغ مؤخرا واحتكرها لفئة المسيرات المدعومة والمُنظمة إعلاميا وأمنيا) وربما أوجد لدى المواطن المُشاهد (مواليا أو معارضا كان) عند نقله لأحداث صحار أو بعض أخبار المعتصمين بأن هؤلاء ليسوا مواطنين حيث استخدم وصف لهؤلاء المطالبين بحقوقهم بالمخربين والمحتجين مع التأكيد على أن تلك التظاهرات وعلميات التخريب (والإشارة ضمنية للمحتجين كافة والمخربين بشكل خاص) بأنها لا تتماشى مع سمات العماني المعتدل المعروف بغيرته لهذا الوطن، كأن الشخص إن خرج عن هذه السمات المعتدلة والرسمية فقد مواطنته وهو ذاته الشخص الذي ربما أُعتقل أو ضُرب أو قُتل له قريب أو جار عندما تظاهروا سليما مطالبين بحقوق مشروعة.
أيضا في تلك المرحلة تخبط أعلامنا الموقر بشأن المواطنة كثيرا حتى أنه ألهب مشاعر المواطنين المعتصمين (وهم بالآلاف في ولايات السلطنة المنتشرة ) حينما تم تهميشهم كأنهم لا يتمتعون بمواطنة أو محبة وعرفان لهذا الوطن وقائده حيث عمد إلى إبراز وتغطية مسيرات الولاء والعرفان تلك التي نظمتها جهات معينة وادعت بأنها عفوية، وللعلم فأن الكثير ممن يؤيدن الحكومة - ولا يجدون حرجا في فسادها أو ممن قبل بالتغييرات والاستجابة السريعة لجلالته ورأى بأنه حقق شوطا كبيرا من مطالبه- يقرون بسقوط المواطنة عن من استمر في اعتصامه ومطالبه بحجة أنهم يسعون للفتنة والتخريب والإطاحة بالحكومة... والسؤال المُلح هنا.. هل تسقط المواطنة فعلا؟ وهل تُمنح المواطنة بناءً على سلوك المواطن؟ فإن كان الشخص لديه ملف إجرامي أو أجندة سياسية معارضة للوطن أو حتى أنه منفي خارج وطنه هل تسقط المواطنة عنه؟
ذلك كان فحوى السؤال الذي تقدم به زميلي للأستاذ أحمد المخيني بعد محاضرته في ساحة الشعب، كان الإجابة جميلة جدا ومسترسلة منه وهو يسهب في شرحه ,اختصرها هنا حسب فهمي بأن المواطنة لا تسقط بأي حالٍ من الأحوال لأنها انتماء جغرافي لوطن لأرض وكل ما يمكن قوله أن هناك مواطن صالح ومواطن غير صالح (شرير).وفي حالة النفي والاستبعاد فأن هذا الشخص يظل مواطنا دون إسقاط.
وتطرقا للهوية التي تُعتبر المواطنة لازمة لها والتي أصم آذاننا بها إعلامنا العماني بأنها خصوصية متفردة لنا دون بلدان العالم كلها، نجد أن في مقال للأستاذ الدكتور جعفر شيخ أدريس خلاصة رائعة للمواطنة والهوية : المواطنة انتساب جغرافي، والهوية انتساب ثقافي. المواطنة انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة. إذن لا مواطنة بدون نظام سياسي ومعتقدات وقيم ومعايير وقوانين اجتماعية اقتصادية تنظم العلاقات..فهل هويتنا العمانية تلك التي يطبل بها إعلامنا العماني عملت خلال الاربعين سنة الماضية بأن تكون لازمة للمواطنة الحقة؟!
أم أنه اكتفى - الإعلام- فقط بتكريس المورثات والتراث الشعبي بصورة شكلية (منجور وفخار ونول غزل) دون منح المواطن انطلاقا من تلك المورثات والتراث الشعبي المساهمة بصورة فعلية في صنع القرار وتدبير (المواطن) عمومياته وخصوصياته وفقا لتلك الهوية التي نفخر بمضمونها الحقيقي الذي يستمد نهجه من مباديء دينية وأعراف وتقاليد عربية أصيلة تؤمن بالشورى والعدل وكلكم راعي ومسؤول عن رعيته وبالعقاب والجزاء..إلخ دون إسقاط لحق أو كتمه أو منعه ومصادرته.
وأخيرا بما أن المواطنة تنتسب للأرض والهوية تنتسب للثقافة فأن اختزال الوطن في شخص جلالته لا يمكننا التسليم به أو قبوله (لأن المواطنة والهوية أكبر من هذا الاختزال) .. مثال بسيط على ذلك ألا وهو بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتدت قبائل وأناس كثيرون عن الإسلام .. لماذا؟؟ لأنهم اختزلوا الدين في الرسول عليه الصلاة والسلام ..فقالها ابوبكر رضي الله عنه مقولته الشهيرة حينها (من كان يعبد محمدا فأن محمدا قد مات ...إلخ)، وهنا أيضا - أطال الله في عمر صاحب الجلالة وأمده بالخير والصحة والعافية- فمن بعده تبقى عُمان الأرض (المواطنة) وتبقى عُمان الثقافة (الهوية)، فالشخص وطني بحبه وانتمائه وولائه لوطنه ومواطنيه لأن الأرض تبقى والشعب يبقى والثقافة تبقى بينما الحاكم يفنى كما نفنى وإن كان رمزا وطنيا نفخر به .
علي العبدور 07/03/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق